نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم
كتاب الإسلام وأصول الحكم ألفه على عبد الرازق أحد القضاة الشرعيين فى مصر تحت الاحتلال البريطانى وينبغى أن ندرك الكثير من الكتب التى ألفت فى تلك الفترة فى مجالات تتناول الإسلام بالبحث لم يكن الغرض منها كما يبدو التقدمية والثورية ومحاربة الرجعية والتخلف أو البحث العلمى وإنما كان الغرض منها أحيانا سياسى يخدم المحتل ومنها أحيانا إرضاء امرأة من الأسرة المالكة تسير على درب المحتلين كما فى كتاب قاسم أمين تحرير المرأة ومنها أحيانا إرضاء المعلمين الكفار والزوجة الكافرة كما فى بعض كتب طه حسين مثل فى الشعر الجاهلى
وكتابنا هذا الغرض منه كان محاربة عودة الخلافة والقضاء عليها والتى كان ملك مصر يريد إعلانها وكان المشجع لعلى بن عبد الرازق هو الاحتلال الذى كان يرى أن إعلانها فى مصر خطرا على استمراره فى احتلال مصر فلن يكون مقبولا أن يكون بلد الخلافة محتلا من قبل من يعتنقون مقولة الخلافة ومن ثم سيسعون لإزاحة المحتل فى أسرع وقت ممكن وقد نجح الكتاب فى الغرض منه وهو قوله على :
"من هنا نشأ الضغط الملوكى على حرية العلم واستبداد الملوك بمعاهد التعليم كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا ولا شك أن علم السياسة هو من أخطر العلوم على الملك بما يكشف من أنواع الحكم وخصائصه وأنظمته إلى أخره لذلك كان حتما على الملوك أن يعادون وأن يسدوا سبيله على الناس ذلك تأويل ما يلاحظ من قصور النهضة الإسلامية فى فروع السياسة وخلو حركة المسلمين العلمية من مباحثها"ص30
والجامع بين تلك الكتب هو أن أصحابها يضعون فيها فقرات للتنصل مما جاء فيها حتى لا يحاكموا أو يستشهدوا بها على أن مرادهم لم يكن كما فهمه الناس فالرجل مثلا يدعى الجهل لأنه لم يحط بكافة جوانب البحث كما يدعى أن كلامه ربما يكون مجازا ويحسب حقيقة وربما يكون حقيقة ويحسب مجازا فيقول:
"جعلتها تمهيدا للبحث فى تاريخ القضاء وضمنتها جملة ما اهتديت إليه فى شأن الخلافة ونظرية الحكم فى الإسلام وما ادعى أننى قد أحطت فيها بجوانب ذلك البحث ولا أننى استطعت ان أتحامى شيئا من الإجمال فى كثير من المواضع بل قد أكون قد اكتفيت أحيانا بإشارات ربما خفيت على صنف من القارئين جهتها وبتلويحات قد تفوتهم دلالتها وبكتابات توشك أن تصير عليهم ألغازا وبمجاز ربما حسبوه حقيقة وبحقيقة ربما حسبوها مجاز"ص ف
ويكرر الرجل أن بحثه ليس كاملا وليس متقنا فيقول:
"فلا غرو أن جاء عملا دون ما أردت له من كمال وما ينبغى له من إتقان بيد أنه على كل حال هو أقصى ما وصل إليه بحثى"ص ص
هذا الاعتراف لا يليق بقاض أن يقوله فالقضاء يصدر حكم فاصلا مانعا فى أى قضية وليس فيه حكم ناقص أو مشوه وإلا كان القاضى متهما فى عدالته وذمته
لو كان عليا بن عبد الرازق منصفا ما نشر كتابه وهو يعلم أنه ناقص وغير متقن ولكن يبدو أن هناك جهات أمنية تختص بالمحتل هى التى طلبت النشر منعا للملك من إعلان الخلافة فى مصر بعد انتهاءها فى تركيا
تناقضات الكتاب:
التناقض الأول:
زعم على عبد الرازق أن عيسى(ص) لم يعترف بالحكومة القيصرية فقال:
"تكلم عيسى بن مريم(ص) عن حكومة القياصرة وأمر بأن يعطى ما لقيصر لقيصر فما كان هذا اعترافا من عيسى بأن الحكومة القيصرية من شريعة الله ولا مما يعترف به دين المسيحية وما كان لأحد ممن يفهم لغة البشر فى تخاطبهم أن يتخذ من كلمة عيسى حجة له على ذلك"ص18
ثم عاد فنقض كلامه فاعترف أن عيسى(ص) اعترف بقيصر وسلطانه فقال:
"ولقد كان عيسى بن مريم(ص) رسول الدعوة المسيحية وزعيم المسيحيين وكان مع هذا يدعو إلى الإذعان لقيصر ويؤمن بسلطانه "ص49
والرجل هنا يبدو جاهلا بدينه فما كان عيسى(ص) يدعو للمسيحية وإنما كان يدعو للإسلام كما بين الحواريون فى قولهم :
"فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"
كما يبدو أنه جاهل فالعهد الجديد لا يتكلم عن عيسى(ص)المعروف فى القرآن وإنما يتحدث عن يسوع وفرق هائل بين الاثنين
التناقض الثانى:
قال على أن الرق منهى عنه فى الإسلام فى الفقرة التالية:
"ولقد حدثنا الله عن الرق وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء وأمرنا أن نعاملهم بالحسنى وأمرنا بكثير غير ذلك فى شأن الأرقاء فما دل ذلك على أن الرق مأمور به فى الدين ولا أنه مرغوب فيه"ص19
ثم نقض كلامه فجعل الرسول(ص)مشرعا للرق بسبى الرجال والنساء فى حروبه وهو زعم على فى الفقرة التالية:
"أول ما يخطر بالبال مثالا من أمثلة الشئون الملكية التى ظهرت أيام الرسول(ص) مسألة الجهاد فقد غزا (ص) المخالفين لدينه من قومه العرب وفتح بلادهم وغنم أموالهم وسبى رجالهم ونساءهم "ص52
التناقض الثالث:
زعم على أن الرسول(ص) لم يقم دولة ولا كان ملكا ولا له حكومة فقال:
"لم يبق أمامك بعد الذى سبق إلا مذهب واحد وعسى أن نجده منهجا واضحا لا تخشى فيه عثرات ولا تلقى عقبات ولا تضل بك شعابه ولا يغمرك ترابه مأمون الغوائل خاليا من المشاكل ذلك هو القول بأن محمدا(ص) ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة وأنه لم يكن للنبى ملك ولا حكومة"ص64
والرجل الذى نفى الملك والسلطان جعل للنبى (ص)كل أنواع السلطان والرياسة وهى الملك فقال
"من أجل ذلك كان سلطان النبى(ص) بمقتضى رسالته سلطانا عاما وأمره فى المسلمين مطاعا وحكمه شاملا فلا شىء مما تمتد إليه يد الحكم إلا وقد شمله سلطان النبى(ص)ولا نوع من الرياسة والسلطان إلا وهو داخل تحت ولاية النبى(ص) على المؤمنين"ص68
وجعل سلطان النبى(ص) ملوكى أعلى من قبله وأعلى من بعده فقال :
"وكان له(ص) من السلطان على أمته ما لم يكن لملك قبله ولا بعده"ص70
التناقض الرابع :
زعم على أن النبى(ص) لم يكن له أى علاقة بالملك السياسى فى الفقرة التالية:
"ظواهر القرآن المجيد تؤيد القول بأن النبى(ص) لم يكن له شأن فى الملك السياسى وآياته متضافرة على أن عمله السماوى لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معانى السلطان"ص71
وناقض نفسه فجعل له بعضا من سياسة الملوك فى أول الفقرة التالية وفى أخرها جعل له كل سياسة الدنيا والآخرة فقال:
"قد يتناول الرسول من سياسة الأمة مثل ما يتناول الملوك ولكن للرسول وحده وظيفة لا شريك له فيها من وظيفته أيضا أن يتصل بالأرواح التى فى الأجساد وينزع الحجب ليطلع على القلوب التى فى الصدور له بل عليه أن يشق عن قلوب أتباعه ليصل إلى مجامع الحجب والضغينة ومنابت الحسنة والسيئة ...له رعاية الظاهر والباطن وتدبير أمور الجسم والروح وعلاقاتنا الأرضية والسماوية له سياسة الدنيا والآخرة"ص67
التناقض الخامس :
زعم على أن الرسول (ص)كان له سلطان الملوك على أمته ولكنه سلطان فاق الكل فقال :
"وكان له(ص) من السلطان على أمته ما لم يكن لملك قبله ولا بعده"ص70
ومع هذا ناقض كلامه فلم يجعل له أى سلطان فهو مجرد مبلغ للرسالة كما فى قوله:
"وأنه لم يكلف شيئا غير ذلك البلاغ"ص73 وقال:
"إنما كانت ولاية النبى(ص) على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشىء من الحكم"ص81
التناقض السادس:
زعم الرجل أن الإسلام ليس دعوة ولا وحدة عربية فقال:
"وما كان الإسلام دعوة عربية ولا وحدة عربية"ص81
ومع هذا ناقض نفسه فجعل كتاب الإسلام ورسوله(ص) عربيين فى قوله:
"كتاب عربى ورسول عربى فلا مناص بالطبع من أن تبدأ دعوة الإسلام بين العرب قبل أن تصل إلى غيرهم"ص82
وناقض كلامه الأول فجعل النبى(ص) حقق بالإسلام الوحدة العربية بقوله:
"تلك الوحدة العربية التى وجدت زمن النبى(ص) لم تكن وحدة سياسية بأى وجه من الوجوه"ص83
وكرر المعنى فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86
التناقض الثامن:
زعم على أن العرب كانوا خاضعون للنبى(ص) كلهم خضوع الإيمان فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86 وقال:
"ولاية الرسول على قومه ولاية روحية منشؤها إيمان القلب وخضوعه خضوعا صادقا تاما يتبعه خضوع الجسم "ص69
وهو ما يناقض اعترافه بوجود متنبئين كذابين فيهم كانوا لهم أتباع من العرب ظلوا على مناصرتهم بعد وفاته(ص) فى قوله:
"وأسهل من ذلك أن نعتقد بأنه قد ادعى النبوة فى حياة محمد(ص) وبعد وفاته متنبئون كذابون "ص100
ويناقض كون العرب كانوا على وشك نقض الوحدة فى عهد النبى(ص) فقال:
"وأوشكت أن تنتقض تلك الوحدة العربية التى تمت فى حياة الرسول(ص)"ص86
التناقض التاسع:
زعم على أن الوحدة الدينية العربية كان فيها دول مختلفة متباينة يوم مات النبى(ص) فقال:
"تلك حال العرب يوم لحق (ص) بالرفيق الأعلى وحدة دينية عامة من تحتها دول تامة التباين إلا قليلا ذلك الحق الذى لا ريب فيه"ص85
وهو ما يناقض تلاشى دولهم وخلافاتهم فى قوله:
"واعلم ثانيا أنه فى الحق أن كثيرا من تنافر العرب وتباينهم قد تلاشت آثاره بما ربط الإسلام بين قلوبهم وما جمعهم عليه من دين واحد ومن أنظمة وآداب مشتركة "ص85
التناقض العاشر:
زعم عليا أن العرب كانت لهم أسباب وجود الدولة فى عهد النبى(ص)ولكنها لم تكن دولة فى قوله:
"لم يكن خافيا على العرب أن الله تعالى قد هيأ لهم أسباب الدولة ومهد لهم مقدماتها بل ربما قد أحسوا بذلك من قبل أن يفارقهم رسول الله (ص)"ص91
ومع هذا اعترف بكونها دولة فى الفقرة التالية:
"ولكنها على ذلك لا تخرج على أن تكون دولة عربية أيدت سلطان العرب وروجت مصالح العرب ومكنت لهم فى أقطار الأرض فاستعمروها استعمارا واستغلوا خيرها استغلالا شأن الأمم القوية التى تتمكن من الفتح والاستعمار"ص92
التناقض الحادى عشر :
زعم الرجل أن الحكومة النبوية كان فيها ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة والملك فقال:
"لا شك فى أن الحكومة النبوية كان فيها بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة والملك "ص52
ثم نفى كون الوحدة الإسلامية فى عهد النبى(ص) فيها حكومة أو سياسة فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86
أخطاء الكتاب :
قبل الشروع فى بيان أخطاء على عبد الرازق فى كتابه نقول أن الرجل جعل كتابه على طريقة تدريسية تسمى حل المشكلات حيث حدد المشكلة باسم أصول الحكم الخلافة والقضاء .. ثم بدأ عبر الكتاب يفرض فروضا لحل المشكلة وفى كل حل قدمه بين ما ظن أنه عيوب الحل وأنه يرفض هذا الحل وانتهى فى نهاية الكتاب إلى الحل الذى ارتضاه وهو كون الإسلام دين ليس فيه أصول للحكم وأن رسوله(ص) مبلغ للرسالة وليس ملكا أو سياسيا ولهذا لم يغير شيئا من أنظمة الحكم عند العرب الكفار وفى هذا قال الرجل:
"لو كنا نريد أن نختار لنا طريقا من بين تلك الطرق التى قصصنا عليك لكان ذلك الرأى أدنى إلى اختيارنا فإنه بالدين اشبه لكنا لا نستطيع أن نتخذه لنا رأيا لأنك إن تأملت وجدته غير وجيه ولا صحيح" ص63
الخطأ الأول فهم الخلافة:
تحدث الرجل عن الأصل الأول عند عامة المسلمين وهو الخلافة وصال وجال فيها وننقل أقوال له تلخص أقواله فى ألأمر وهى:
"وأساس كل حكم فى الإسلام هو الخلافة والإمامة العظمى كما يقولون "ص ف
"والخلافة فى لسان المسلمين وترادفها الإمامة هى رياسة عامة فى أمور الدين والدنيا نيابة عن النبى(ص)"ص2
"فالخليفة عندهم ينزل من أمته بمنزلة الرسول(ص) من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة والسلطان الشامل"ص3
"عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ظاهرا وباطنا لأن طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله"ص3
"وجملة القول أن السلطان خليفة رسول الله (ص) وهو أيضا حمى الله فى بلاده وظله الممدود على عباده"ص4
"الأصل فى الخلافة عند المسلمين أن تكون راجعة إلى اختيار أهل الحل والعقد"ص24
"ولا غرو أن يكون له حق التصرف فى رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم"ص4
وبناء على ما سبق فالخلافة وهى رئاسة المسلمين لا أصل لها فى الإسلام وهو يقول مدللا على هذا:
"لم نجد فيما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول أن يقيم الدليل على فرضيته بآية من كتاب الله الحكيم ولو كان فى الكتاب دليل واحد لما تردد العلماء فى
"ص13 التنويه والإشادة به أو لو كان فى الكتاب الكريم ما يشبه أن يكون دليلا على وجوب الإمامة أوجد من أنصار الخلافة المتكلفين وإنهم لكثير من يحاول أن يتخذ من شبه الدليل دليلا"ص14 وقال:
"ليس القرآن وحده هو الذى أجمل تلك الخلافة ولم يتصد لها بل السنة كالقرآن قد تركتها ولم تتعرض لها يدلك على هذا أن العلماء لم يستطيعوا أن يستدلوا فى هذا الباب بشىء من الحديث"ص16
وقال:
"التمس بين دفتى المصحف الكريم اثرا ظاهرا أو خفيا لما يريدون أن يعتقدوا من صفة سياسية للدين الإسلامى"ص77 وقال:
"لايريبنك هذا الذى ترى أحيانا فى سيرة النبى(ص)فيبدو لك وكأنه عمل حكومى ومظهر من مظاهر الملك والدولة فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك "ص79
وقد ورد عن الخليفة التالى فى القرآن
خليفة الأرض وورد فى القرآن بقوله بسورة البقرة:
"إنى جاعل فى الأرض خليفة "
وهو ما يعنى حاكم أى مالك أى وارث وقوله بسورة ص:
"يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق "
وشروط الخلافة العلم الواسع والجسم الصالح للحركة وفى أحيان الأسبقية فى الجهاد
ومما ينبغى قوله أن كل مسلم هو خليفة مصداق لقوله بسورة النور:
"وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض"
فالضمير فى كلمة "ليستخلفنهم "عائد لكل المسلمين ومن ثم فكلهم خلفاء أى مشاركون فى الحكم أى الأمر مصداق لقوله بسورة الشورى:
"وأمرهم شورى بينهم "
أى وقرارهم مشترك بينهم وهذا يعنى أن المسلمين يشتركون فى إصدار القرارات التى تدير شتى أمور حياتهم
ويطلق على الخليفة لفظ الإمام من قوله بسورة الفرقان:
"واجعلنا للمتقين إماما"
وسبب وجوب وجود أولى الأمر هو أن يحكموا بما أنزل الله فى الناس مصداق لقوله بسورة المائدة:
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
وسنضرب مثل بحكم رد العدوان المستمر على المسلمين فإذا لم يكن للمسلمين ولى أمر فعليهم أن يجتمعوا لتقرير ما يفعلون وهذا الاجتماع يحتاج لأيام عديدة يكون العدو قد تمكن فيها من كل شىء فهل هناك حرج أى أذى أكثر من هذا ؟بالقطع لا وقد حرم الله كل ما فيه حرج على المسلمين فقال بسورة الأنبياء:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج "
وأما إذا كان لهم ولى أمر فالأمر لن يتعدى فترة قصيرة جدا حتى يتم الرد الفورى على العدوان بقوات أكبر لأن الإمام سيجتمع مع قادة الجيش لرسم خطة رد العدوان بالإضافة لوجود تعليمات برد العدوان عند وقوعه عند القوات على الحدود وسنضرب مثل أخر هو حكم القصاص فى القتلى فإذا لم يكن للمسلمين إماما فمن سيمكن أهل القتيل من القاتل ناصرا لهم مصداق لقوله بسورة الإسراء:
"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"؟
بالقطع لابد من الإمام حتى يلجأ إليه أهل القتيل إن لم ينصرهم القاضى والشرطة حتى ينصرهم هو ،إذا فعدم وجود حكام يشجع الدول على الاعتداء على المسلمين كما يشجع الأغنياء والأقوياء على ظلم ضعافهم ،زد على هذا أن المفهوم من الوحى أن بعد موت أى رسول لابد أن يأتى من بعده حكام هم الذين يحكمون بالوحى المنزل كما حدث بعد موت أنبياء بنى إسرائيل فقد حكمهم الربانيون وهم الأحبار بحكم الله الممثل فى كتابه وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة:
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ".
الخطا الثانى عدم وجود حكومة أو قضاة أو ولاة :
زعم على أنه لا يوجد ترتيب حكومى فلم توجد حكومة أو قضاة او ولاة أو غير هذا فى عهد النبى(ص)فقال :
" لعلك الآن قد اهتديت إلى ما كنت تسأل عنه قبلا من خلو العصر النبوى من مظاهر الحكم وأغراض الدولة وعرفت كيف لم يكن هنالك ترتيب حكومى ولم يكن ثمت ولاة ولا قضاة ولا ديوان إلخ ولعل ظلام تلك الحيرة التى صادفتك قد استحال نورا وصارت النار عليك بردا وسلاما"ص80 وقال مكررا نفس المعنى:
وأيضا قال :
"والخلافة ليست فى شىء من الخطط الدينية كلا ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة "ص103وكرر نفس الكلام فقال :
"إذا كان رسول الله(ص) قد أسس دولة سياسية أو شرع فى تأسيسها فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم ولماذا لم يعرف نظامه فى تعيين القضاة والولاة ولماذا لم يتحدث إلى رعيته فى نظام الملك وقواعد الشورى ولماذا ترك العلماء فى حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومى فى زمنه "ص57 وقال عن الجيوش والوزارات :
كما أن تدبير الجيوش الإسلامية وعمارة المدن والثغور ونظام الداووين لا شأن للدين بها وإنما يرجع الأمر فيها إلى العقل والتجريب أو إلى قواعد الحروب أو هندسة المبانى وآراء العارفين "ص103
وقال عن عدم وجود مؤسسة مالية:
"وكان له (ص) سعاة وجباة يتولون له ذلك ولا شك أن تدبير المال عمل ملكى بل هو أهم مقومات الحكومات على أنه خارج على وظيفة الرسالة من حيث هى وبعيد عن عمل الرسل باعتبارهم رسلا فحسب"ص54
وقال عن عدم وجود القضاء
"ذلك بأننا وجدنا عند البحث فى نظام القضاء فى عصر النبوة أن غير القضاء أيضا من أعمال الحكومات ووظائفها الأساسية لم يكن فى أيان الرسالة موجودا على وجه واضح لا لبس فيه حتى يستطيع باحث منصف أن يذهب إلى أن النبى(ص) لم يعين فى البلاد التى فتحها الله ولاة مثلا لإدارة شئونها وتدبير أحوالها وضبط الأمر"ص45 وكرر نفس الكلام:
"لاحظنا أن حال القضاء زمن النبى(ص) غامضة ومبهمة من كل جانب حتى لم يكن من السهل على الباحث أن يعرف هل ولى (ص) أحدا غيره القضاء أم لا "ص40
,يبدو أن الرجل غاب عن ذهنه تماما كما غاب عن ذهن القوم ما رتبه الله فى كتابه من مؤسسات للحكم كل منها مختص بمجال فمثلا فى مجال التعليم والإعلام فرض على المسلمين تخصيص عدد منهم للتفقه فى الدين حتى يكون دعاة ومعلمين فقال :
"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين "
وجوب وجود مؤسسة مالية لها عاملين لجمع الصدقات وغيرها وتوزيعها فقال تعالى:
العاملون على المال وهم الذين يجمعون المال من الوجوه المشروعة ليوزعوه على مستحقيه وهو ما يستلزم وجود وزارة المالية وقد ذكروا فى قوله بسورة التوبة:
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ".
وجوب وجود الحكام وهم القضاة وفيهم قال بسورة النساء:
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "وهذا يستلزم وجود وزارة القضاء أى العدل .
ولو لم يكن هناك قضاة فلماذا نهى تعالى عن الرشوة وهو الدلو للحكام بالمال فقال :
"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريق من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"
وإذا لم يكن هناك قضاة فلماذا نزلت العقوبات التى تسمى الحدود محد القتل وحد السرقة ؟
من يفهم يعرف أن طالما وجدت عقوبات فى مجتمعات كثيرة العدد فلابد من وجود قضاة ولابد من وجود عسس للقبض على المجرمين وتنفيذ العقاب فيهم وإلا كانت هناك حالة من الفوضى إذا كان مثلا رئيس الدولة هو القاضى وهو المجاهد فى سبيل الله وهو الزوج وأبو الأولاد وهو قائد الصلاة وجامع الزكاة ..............فساعتها يتأخر العدل وما نزلت الرسالة إلا للعدل السريع الناجز
-المنفذون لأحكام القضاء وهم الشرطة الذين يقومون مثلا بتقطيع أيدى السارقين تطبيقا وتنفيذا لقوله بسورة المائدة:
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
كما يقومون بالصلب والقتل والجلد وغيره .
-المتصلون بالدول الأخرى والأفراد فى الخارج وهم ما يسمى بوزارة الخارجية التى تعقد المواثيق وتتصل بالأفراد الذين يصلون بين المسلمين وغيرهم وفى هذا قال تعالى بسورة النساء:
"إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ".
وقد قسم الله المسلمين إلى :
- المرضى وهذا يستلزم وجود وزارة الصحة أى الطب لعلاجهم .
- الضاربون فى الأرض وهم الساعون وراء الرزق وهذا يستلزم وجود وزارات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والمواصلات .
- المقاتلون فى سبيل الله وهذا يستلزم وجود وزارة الجهاد .
وفى هؤلاء قال تعالى بسورة المزمل:
"علم أن سيكون منكم مرضى وأخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وأخرون يقاتلون فى سبيل الله ".
كما أوجب الله وجود مؤسسة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهم امة الخير فقال:
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وأما ولاة الأمر فقد أتت فيهم عدة آيات مثل قوله تعالى:
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "
إذا كل ما قاله على هو أكاذيب وخرافات فى المسألة ولو أنه كان دارسا للأحاديث لوجدها طافحة بالكلام عن أولى الأمر والقضاة
كتاب الإسلام وأصول الحكم ألفه على عبد الرازق أحد القضاة الشرعيين فى مصر تحت الاحتلال البريطانى وينبغى أن ندرك الكثير من الكتب التى ألفت فى تلك الفترة فى مجالات تتناول الإسلام بالبحث لم يكن الغرض منها كما يبدو التقدمية والثورية ومحاربة الرجعية والتخلف أو البحث العلمى وإنما كان الغرض منها أحيانا سياسى يخدم المحتل ومنها أحيانا إرضاء امرأة من الأسرة المالكة تسير على درب المحتلين كما فى كتاب قاسم أمين تحرير المرأة ومنها أحيانا إرضاء المعلمين الكفار والزوجة الكافرة كما فى بعض كتب طه حسين مثل فى الشعر الجاهلى
وكتابنا هذا الغرض منه كان محاربة عودة الخلافة والقضاء عليها والتى كان ملك مصر يريد إعلانها وكان المشجع لعلى بن عبد الرازق هو الاحتلال الذى كان يرى أن إعلانها فى مصر خطرا على استمراره فى احتلال مصر فلن يكون مقبولا أن يكون بلد الخلافة محتلا من قبل من يعتنقون مقولة الخلافة ومن ثم سيسعون لإزاحة المحتل فى أسرع وقت ممكن وقد نجح الكتاب فى الغرض منه وهو قوله على :
"من هنا نشأ الضغط الملوكى على حرية العلم واستبداد الملوك بمعاهد التعليم كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا ولا شك أن علم السياسة هو من أخطر العلوم على الملك بما يكشف من أنواع الحكم وخصائصه وأنظمته إلى أخره لذلك كان حتما على الملوك أن يعادون وأن يسدوا سبيله على الناس ذلك تأويل ما يلاحظ من قصور النهضة الإسلامية فى فروع السياسة وخلو حركة المسلمين العلمية من مباحثها"ص30
والجامع بين تلك الكتب هو أن أصحابها يضعون فيها فقرات للتنصل مما جاء فيها حتى لا يحاكموا أو يستشهدوا بها على أن مرادهم لم يكن كما فهمه الناس فالرجل مثلا يدعى الجهل لأنه لم يحط بكافة جوانب البحث كما يدعى أن كلامه ربما يكون مجازا ويحسب حقيقة وربما يكون حقيقة ويحسب مجازا فيقول:
"جعلتها تمهيدا للبحث فى تاريخ القضاء وضمنتها جملة ما اهتديت إليه فى شأن الخلافة ونظرية الحكم فى الإسلام وما ادعى أننى قد أحطت فيها بجوانب ذلك البحث ولا أننى استطعت ان أتحامى شيئا من الإجمال فى كثير من المواضع بل قد أكون قد اكتفيت أحيانا بإشارات ربما خفيت على صنف من القارئين جهتها وبتلويحات قد تفوتهم دلالتها وبكتابات توشك أن تصير عليهم ألغازا وبمجاز ربما حسبوه حقيقة وبحقيقة ربما حسبوها مجاز"ص ف
ويكرر الرجل أن بحثه ليس كاملا وليس متقنا فيقول:
"فلا غرو أن جاء عملا دون ما أردت له من كمال وما ينبغى له من إتقان بيد أنه على كل حال هو أقصى ما وصل إليه بحثى"ص ص
هذا الاعتراف لا يليق بقاض أن يقوله فالقضاء يصدر حكم فاصلا مانعا فى أى قضية وليس فيه حكم ناقص أو مشوه وإلا كان القاضى متهما فى عدالته وذمته
لو كان عليا بن عبد الرازق منصفا ما نشر كتابه وهو يعلم أنه ناقص وغير متقن ولكن يبدو أن هناك جهات أمنية تختص بالمحتل هى التى طلبت النشر منعا للملك من إعلان الخلافة فى مصر بعد انتهاءها فى تركيا
تناقضات الكتاب:
التناقض الأول:
زعم على عبد الرازق أن عيسى(ص) لم يعترف بالحكومة القيصرية فقال:
"تكلم عيسى بن مريم(ص) عن حكومة القياصرة وأمر بأن يعطى ما لقيصر لقيصر فما كان هذا اعترافا من عيسى بأن الحكومة القيصرية من شريعة الله ولا مما يعترف به دين المسيحية وما كان لأحد ممن يفهم لغة البشر فى تخاطبهم أن يتخذ من كلمة عيسى حجة له على ذلك"ص18
ثم عاد فنقض كلامه فاعترف أن عيسى(ص) اعترف بقيصر وسلطانه فقال:
"ولقد كان عيسى بن مريم(ص) رسول الدعوة المسيحية وزعيم المسيحيين وكان مع هذا يدعو إلى الإذعان لقيصر ويؤمن بسلطانه "ص49
والرجل هنا يبدو جاهلا بدينه فما كان عيسى(ص) يدعو للمسيحية وإنما كان يدعو للإسلام كما بين الحواريون فى قولهم :
"فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"
كما يبدو أنه جاهل فالعهد الجديد لا يتكلم عن عيسى(ص)المعروف فى القرآن وإنما يتحدث عن يسوع وفرق هائل بين الاثنين
التناقض الثانى:
قال على أن الرق منهى عنه فى الإسلام فى الفقرة التالية:
"ولقد حدثنا الله عن الرق وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء وأمرنا أن نعاملهم بالحسنى وأمرنا بكثير غير ذلك فى شأن الأرقاء فما دل ذلك على أن الرق مأمور به فى الدين ولا أنه مرغوب فيه"ص19
ثم نقض كلامه فجعل الرسول(ص)مشرعا للرق بسبى الرجال والنساء فى حروبه وهو زعم على فى الفقرة التالية:
"أول ما يخطر بالبال مثالا من أمثلة الشئون الملكية التى ظهرت أيام الرسول(ص) مسألة الجهاد فقد غزا (ص) المخالفين لدينه من قومه العرب وفتح بلادهم وغنم أموالهم وسبى رجالهم ونساءهم "ص52
التناقض الثالث:
زعم على أن الرسول(ص) لم يقم دولة ولا كان ملكا ولا له حكومة فقال:
"لم يبق أمامك بعد الذى سبق إلا مذهب واحد وعسى أن نجده منهجا واضحا لا تخشى فيه عثرات ولا تلقى عقبات ولا تضل بك شعابه ولا يغمرك ترابه مأمون الغوائل خاليا من المشاكل ذلك هو القول بأن محمدا(ص) ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة وأنه لم يكن للنبى ملك ولا حكومة"ص64
والرجل الذى نفى الملك والسلطان جعل للنبى (ص)كل أنواع السلطان والرياسة وهى الملك فقال
"من أجل ذلك كان سلطان النبى(ص) بمقتضى رسالته سلطانا عاما وأمره فى المسلمين مطاعا وحكمه شاملا فلا شىء مما تمتد إليه يد الحكم إلا وقد شمله سلطان النبى(ص)ولا نوع من الرياسة والسلطان إلا وهو داخل تحت ولاية النبى(ص) على المؤمنين"ص68
وجعل سلطان النبى(ص) ملوكى أعلى من قبله وأعلى من بعده فقال :
"وكان له(ص) من السلطان على أمته ما لم يكن لملك قبله ولا بعده"ص70
التناقض الرابع :
زعم على أن النبى(ص) لم يكن له أى علاقة بالملك السياسى فى الفقرة التالية:
"ظواهر القرآن المجيد تؤيد القول بأن النبى(ص) لم يكن له شأن فى الملك السياسى وآياته متضافرة على أن عمله السماوى لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معانى السلطان"ص71
وناقض نفسه فجعل له بعضا من سياسة الملوك فى أول الفقرة التالية وفى أخرها جعل له كل سياسة الدنيا والآخرة فقال:
"قد يتناول الرسول من سياسة الأمة مثل ما يتناول الملوك ولكن للرسول وحده وظيفة لا شريك له فيها من وظيفته أيضا أن يتصل بالأرواح التى فى الأجساد وينزع الحجب ليطلع على القلوب التى فى الصدور له بل عليه أن يشق عن قلوب أتباعه ليصل إلى مجامع الحجب والضغينة ومنابت الحسنة والسيئة ...له رعاية الظاهر والباطن وتدبير أمور الجسم والروح وعلاقاتنا الأرضية والسماوية له سياسة الدنيا والآخرة"ص67
التناقض الخامس :
زعم على أن الرسول (ص)كان له سلطان الملوك على أمته ولكنه سلطان فاق الكل فقال :
"وكان له(ص) من السلطان على أمته ما لم يكن لملك قبله ولا بعده"ص70
ومع هذا ناقض كلامه فلم يجعل له أى سلطان فهو مجرد مبلغ للرسالة كما فى قوله:
"وأنه لم يكلف شيئا غير ذلك البلاغ"ص73 وقال:
"إنما كانت ولاية النبى(ص) على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشىء من الحكم"ص81
التناقض السادس:
زعم الرجل أن الإسلام ليس دعوة ولا وحدة عربية فقال:
"وما كان الإسلام دعوة عربية ولا وحدة عربية"ص81
ومع هذا ناقض نفسه فجعل كتاب الإسلام ورسوله(ص) عربيين فى قوله:
"كتاب عربى ورسول عربى فلا مناص بالطبع من أن تبدأ دعوة الإسلام بين العرب قبل أن تصل إلى غيرهم"ص82
وناقض كلامه الأول فجعل النبى(ص) حقق بالإسلام الوحدة العربية بقوله:
"تلك الوحدة العربية التى وجدت زمن النبى(ص) لم تكن وحدة سياسية بأى وجه من الوجوه"ص83
وكرر المعنى فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86
التناقض الثامن:
زعم على أن العرب كانوا خاضعون للنبى(ص) كلهم خضوع الإيمان فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86 وقال:
"ولاية الرسول على قومه ولاية روحية منشؤها إيمان القلب وخضوعه خضوعا صادقا تاما يتبعه خضوع الجسم "ص69
وهو ما يناقض اعترافه بوجود متنبئين كذابين فيهم كانوا لهم أتباع من العرب ظلوا على مناصرتهم بعد وفاته(ص) فى قوله:
"وأسهل من ذلك أن نعتقد بأنه قد ادعى النبوة فى حياة محمد(ص) وبعد وفاته متنبئون كذابون "ص100
ويناقض كون العرب كانوا على وشك نقض الوحدة فى عهد النبى(ص) فقال:
"وأوشكت أن تنتقض تلك الوحدة العربية التى تمت فى حياة الرسول(ص)"ص86
التناقض التاسع:
زعم على أن الوحدة الدينية العربية كان فيها دول مختلفة متباينة يوم مات النبى(ص) فقال:
"تلك حال العرب يوم لحق (ص) بالرفيق الأعلى وحدة دينية عامة من تحتها دول تامة التباين إلا قليلا ذلك الحق الذى لا ريب فيه"ص85
وهو ما يناقض تلاشى دولهم وخلافاتهم فى قوله:
"واعلم ثانيا أنه فى الحق أن كثيرا من تنافر العرب وتباينهم قد تلاشت آثاره بما ربط الإسلام بين قلوبهم وما جمعهم عليه من دين واحد ومن أنظمة وآداب مشتركة "ص85
التناقض العاشر:
زعم عليا أن العرب كانت لهم أسباب وجود الدولة فى عهد النبى(ص)ولكنها لم تكن دولة فى قوله:
"لم يكن خافيا على العرب أن الله تعالى قد هيأ لهم أسباب الدولة ومهد لهم مقدماتها بل ربما قد أحسوا بذلك من قبل أن يفارقهم رسول الله (ص)"ص91
ومع هذا اعترف بكونها دولة فى الفقرة التالية:
"ولكنها على ذلك لا تخرج على أن تكون دولة عربية أيدت سلطان العرب وروجت مصالح العرب ومكنت لهم فى أقطار الأرض فاستعمروها استعمارا واستغلوا خيرها استغلالا شأن الأمم القوية التى تتمكن من الفتح والاستعمار"ص92
التناقض الحادى عشر :
زعم الرجل أن الحكومة النبوية كان فيها ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة والملك فقال:
"لا شك فى أن الحكومة النبوية كان فيها بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة والملك "ص52
ثم نفى كون الوحدة الإسلامية فى عهد النبى(ص) فيها حكومة أو سياسة فقال:
"كانت وحدة العرب كما عرفت وحدة إسلامية لا سياسية وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع حكومة وسلطان"ص86
أخطاء الكتاب :
قبل الشروع فى بيان أخطاء على عبد الرازق فى كتابه نقول أن الرجل جعل كتابه على طريقة تدريسية تسمى حل المشكلات حيث حدد المشكلة باسم أصول الحكم الخلافة والقضاء .. ثم بدأ عبر الكتاب يفرض فروضا لحل المشكلة وفى كل حل قدمه بين ما ظن أنه عيوب الحل وأنه يرفض هذا الحل وانتهى فى نهاية الكتاب إلى الحل الذى ارتضاه وهو كون الإسلام دين ليس فيه أصول للحكم وأن رسوله(ص) مبلغ للرسالة وليس ملكا أو سياسيا ولهذا لم يغير شيئا من أنظمة الحكم عند العرب الكفار وفى هذا قال الرجل:
"لو كنا نريد أن نختار لنا طريقا من بين تلك الطرق التى قصصنا عليك لكان ذلك الرأى أدنى إلى اختيارنا فإنه بالدين اشبه لكنا لا نستطيع أن نتخذه لنا رأيا لأنك إن تأملت وجدته غير وجيه ولا صحيح" ص63
الخطأ الأول فهم الخلافة:
تحدث الرجل عن الأصل الأول عند عامة المسلمين وهو الخلافة وصال وجال فيها وننقل أقوال له تلخص أقواله فى ألأمر وهى:
"وأساس كل حكم فى الإسلام هو الخلافة والإمامة العظمى كما يقولون "ص ف
"والخلافة فى لسان المسلمين وترادفها الإمامة هى رياسة عامة فى أمور الدين والدنيا نيابة عن النبى(ص)"ص2
"فالخليفة عندهم ينزل من أمته بمنزلة الرسول(ص) من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة والسلطان الشامل"ص3
"عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ظاهرا وباطنا لأن طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله"ص3
"وجملة القول أن السلطان خليفة رسول الله (ص) وهو أيضا حمى الله فى بلاده وظله الممدود على عباده"ص4
"الأصل فى الخلافة عند المسلمين أن تكون راجعة إلى اختيار أهل الحل والعقد"ص24
"ولا غرو أن يكون له حق التصرف فى رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم"ص4
وبناء على ما سبق فالخلافة وهى رئاسة المسلمين لا أصل لها فى الإسلام وهو يقول مدللا على هذا:
"لم نجد فيما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول أن يقيم الدليل على فرضيته بآية من كتاب الله الحكيم ولو كان فى الكتاب دليل واحد لما تردد العلماء فى
"ص13 التنويه والإشادة به أو لو كان فى الكتاب الكريم ما يشبه أن يكون دليلا على وجوب الإمامة أوجد من أنصار الخلافة المتكلفين وإنهم لكثير من يحاول أن يتخذ من شبه الدليل دليلا"ص14 وقال:
"ليس القرآن وحده هو الذى أجمل تلك الخلافة ولم يتصد لها بل السنة كالقرآن قد تركتها ولم تتعرض لها يدلك على هذا أن العلماء لم يستطيعوا أن يستدلوا فى هذا الباب بشىء من الحديث"ص16
وقال:
"التمس بين دفتى المصحف الكريم اثرا ظاهرا أو خفيا لما يريدون أن يعتقدوا من صفة سياسية للدين الإسلامى"ص77 وقال:
"لايريبنك هذا الذى ترى أحيانا فى سيرة النبى(ص)فيبدو لك وكأنه عمل حكومى ومظهر من مظاهر الملك والدولة فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك "ص79
وقد ورد عن الخليفة التالى فى القرآن
خليفة الأرض وورد فى القرآن بقوله بسورة البقرة:
"إنى جاعل فى الأرض خليفة "
وهو ما يعنى حاكم أى مالك أى وارث وقوله بسورة ص:
"يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق "
وشروط الخلافة العلم الواسع والجسم الصالح للحركة وفى أحيان الأسبقية فى الجهاد
ومما ينبغى قوله أن كل مسلم هو خليفة مصداق لقوله بسورة النور:
"وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض"
فالضمير فى كلمة "ليستخلفنهم "عائد لكل المسلمين ومن ثم فكلهم خلفاء أى مشاركون فى الحكم أى الأمر مصداق لقوله بسورة الشورى:
"وأمرهم شورى بينهم "
أى وقرارهم مشترك بينهم وهذا يعنى أن المسلمين يشتركون فى إصدار القرارات التى تدير شتى أمور حياتهم
ويطلق على الخليفة لفظ الإمام من قوله بسورة الفرقان:
"واجعلنا للمتقين إماما"
وسبب وجوب وجود أولى الأمر هو أن يحكموا بما أنزل الله فى الناس مصداق لقوله بسورة المائدة:
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
وسنضرب مثل بحكم رد العدوان المستمر على المسلمين فإذا لم يكن للمسلمين ولى أمر فعليهم أن يجتمعوا لتقرير ما يفعلون وهذا الاجتماع يحتاج لأيام عديدة يكون العدو قد تمكن فيها من كل شىء فهل هناك حرج أى أذى أكثر من هذا ؟بالقطع لا وقد حرم الله كل ما فيه حرج على المسلمين فقال بسورة الأنبياء:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج "
وأما إذا كان لهم ولى أمر فالأمر لن يتعدى فترة قصيرة جدا حتى يتم الرد الفورى على العدوان بقوات أكبر لأن الإمام سيجتمع مع قادة الجيش لرسم خطة رد العدوان بالإضافة لوجود تعليمات برد العدوان عند وقوعه عند القوات على الحدود وسنضرب مثل أخر هو حكم القصاص فى القتلى فإذا لم يكن للمسلمين إماما فمن سيمكن أهل القتيل من القاتل ناصرا لهم مصداق لقوله بسورة الإسراء:
"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"؟
بالقطع لابد من الإمام حتى يلجأ إليه أهل القتيل إن لم ينصرهم القاضى والشرطة حتى ينصرهم هو ،إذا فعدم وجود حكام يشجع الدول على الاعتداء على المسلمين كما يشجع الأغنياء والأقوياء على ظلم ضعافهم ،زد على هذا أن المفهوم من الوحى أن بعد موت أى رسول لابد أن يأتى من بعده حكام هم الذين يحكمون بالوحى المنزل كما حدث بعد موت أنبياء بنى إسرائيل فقد حكمهم الربانيون وهم الأحبار بحكم الله الممثل فى كتابه وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة:
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ".
الخطا الثانى عدم وجود حكومة أو قضاة أو ولاة :
زعم على أنه لا يوجد ترتيب حكومى فلم توجد حكومة أو قضاة او ولاة أو غير هذا فى عهد النبى(ص)فقال :
" لعلك الآن قد اهتديت إلى ما كنت تسأل عنه قبلا من خلو العصر النبوى من مظاهر الحكم وأغراض الدولة وعرفت كيف لم يكن هنالك ترتيب حكومى ولم يكن ثمت ولاة ولا قضاة ولا ديوان إلخ ولعل ظلام تلك الحيرة التى صادفتك قد استحال نورا وصارت النار عليك بردا وسلاما"ص80 وقال مكررا نفس المعنى:
وأيضا قال :
"والخلافة ليست فى شىء من الخطط الدينية كلا ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة "ص103وكرر نفس الكلام فقال :
"إذا كان رسول الله(ص) قد أسس دولة سياسية أو شرع فى تأسيسها فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم ولماذا لم يعرف نظامه فى تعيين القضاة والولاة ولماذا لم يتحدث إلى رعيته فى نظام الملك وقواعد الشورى ولماذا ترك العلماء فى حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومى فى زمنه "ص57 وقال عن الجيوش والوزارات :
كما أن تدبير الجيوش الإسلامية وعمارة المدن والثغور ونظام الداووين لا شأن للدين بها وإنما يرجع الأمر فيها إلى العقل والتجريب أو إلى قواعد الحروب أو هندسة المبانى وآراء العارفين "ص103
وقال عن عدم وجود مؤسسة مالية:
"وكان له (ص) سعاة وجباة يتولون له ذلك ولا شك أن تدبير المال عمل ملكى بل هو أهم مقومات الحكومات على أنه خارج على وظيفة الرسالة من حيث هى وبعيد عن عمل الرسل باعتبارهم رسلا فحسب"ص54
وقال عن عدم وجود القضاء
"ذلك بأننا وجدنا عند البحث فى نظام القضاء فى عصر النبوة أن غير القضاء أيضا من أعمال الحكومات ووظائفها الأساسية لم يكن فى أيان الرسالة موجودا على وجه واضح لا لبس فيه حتى يستطيع باحث منصف أن يذهب إلى أن النبى(ص) لم يعين فى البلاد التى فتحها الله ولاة مثلا لإدارة شئونها وتدبير أحوالها وضبط الأمر"ص45 وكرر نفس الكلام:
"لاحظنا أن حال القضاء زمن النبى(ص) غامضة ومبهمة من كل جانب حتى لم يكن من السهل على الباحث أن يعرف هل ولى (ص) أحدا غيره القضاء أم لا "ص40
,يبدو أن الرجل غاب عن ذهنه تماما كما غاب عن ذهن القوم ما رتبه الله فى كتابه من مؤسسات للحكم كل منها مختص بمجال فمثلا فى مجال التعليم والإعلام فرض على المسلمين تخصيص عدد منهم للتفقه فى الدين حتى يكون دعاة ومعلمين فقال :
"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين "
وجوب وجود مؤسسة مالية لها عاملين لجمع الصدقات وغيرها وتوزيعها فقال تعالى:
العاملون على المال وهم الذين يجمعون المال من الوجوه المشروعة ليوزعوه على مستحقيه وهو ما يستلزم وجود وزارة المالية وقد ذكروا فى قوله بسورة التوبة:
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ".
وجوب وجود الحكام وهم القضاة وفيهم قال بسورة النساء:
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "وهذا يستلزم وجود وزارة القضاء أى العدل .
ولو لم يكن هناك قضاة فلماذا نهى تعالى عن الرشوة وهو الدلو للحكام بالمال فقال :
"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريق من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"
وإذا لم يكن هناك قضاة فلماذا نزلت العقوبات التى تسمى الحدود محد القتل وحد السرقة ؟
من يفهم يعرف أن طالما وجدت عقوبات فى مجتمعات كثيرة العدد فلابد من وجود قضاة ولابد من وجود عسس للقبض على المجرمين وتنفيذ العقاب فيهم وإلا كانت هناك حالة من الفوضى إذا كان مثلا رئيس الدولة هو القاضى وهو المجاهد فى سبيل الله وهو الزوج وأبو الأولاد وهو قائد الصلاة وجامع الزكاة ..............فساعتها يتأخر العدل وما نزلت الرسالة إلا للعدل السريع الناجز
-المنفذون لأحكام القضاء وهم الشرطة الذين يقومون مثلا بتقطيع أيدى السارقين تطبيقا وتنفيذا لقوله بسورة المائدة:
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
كما يقومون بالصلب والقتل والجلد وغيره .
-المتصلون بالدول الأخرى والأفراد فى الخارج وهم ما يسمى بوزارة الخارجية التى تعقد المواثيق وتتصل بالأفراد الذين يصلون بين المسلمين وغيرهم وفى هذا قال تعالى بسورة النساء:
"إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ".
وقد قسم الله المسلمين إلى :
- المرضى وهذا يستلزم وجود وزارة الصحة أى الطب لعلاجهم .
- الضاربون فى الأرض وهم الساعون وراء الرزق وهذا يستلزم وجود وزارات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والمواصلات .
- المقاتلون فى سبيل الله وهذا يستلزم وجود وزارة الجهاد .
وفى هؤلاء قال تعالى بسورة المزمل:
"علم أن سيكون منكم مرضى وأخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وأخرون يقاتلون فى سبيل الله ".
كما أوجب الله وجود مؤسسة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهم امة الخير فقال:
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وأما ولاة الأمر فقد أتت فيهم عدة آيات مثل قوله تعالى:
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "
إذا كل ما قاله على هو أكاذيب وخرافات فى المسألة ولو أنه كان دارسا للأحاديث لوجدها طافحة بالكلام عن أولى الأمر والقضاة